إحتفالية التزمزيم

الصورة بريشة الفنان الليبي: عوض عبيدة

( نحنا زمزمنا وجينـا والصــــلاة على نبينا )

قديماً تقام في مدينة براك - في الجنوب الليبي – من ضمن العادات الموسمية عادة جميلة حيوية فيما تحمله من مضامين وما ترمي اليه من أهداف وما تحققه من غايات الا وهي (إحتفالية التزمزيم) ، حيث يقوم مجموعة من الصِبية والفتيان الذين يدرسون القرآن الكريم ويستذكرونه في المحضرة على يديّ الفقيه في أواخر ما بين الأعياد أي تباشير (عواشير) عيد الأضحى من كل عام ، يقومون ليلاً بعد صلاة العِشاء بالطواف في شوارع البلدة وأزِقتها وهم يحملون الواحهم الخشبية التي يتعلمون عليها القرآن الكريم ، وذلك بعد التفنن في تزيينها برسومات ورموز دينية ذات معنى على هيئة (ختمة) أو مآذن وقِباب إلى ما هنالك ويقال له (التزيين).

يمرون على البيوت وهم يردّدون بصوتٍ عالٍ وبشكل جماعي أهازيج خاصة ملحونة تسمى (التزمزيم) فيرحِب بهم أصحاب تلك البيوت أيّما ترحيب ويهِبونهم عن طيب خاطر ما يتوفر لديهم وما تجود به أنفسهم ، فهذا يُعطي تمراً وهذا يمنح حبوباً وذاك يتخلى عن بعضٍ من بيضه (دحيه) وآخر يجود بخبزة ( التنّور) وغيره يهْب زيتاً ، والمجموعة تتقبل كل هذه العطايا والهدايا والمِنح والتي وإن كانت قليلة في كمّيتها ومقدارها فهي ثمينة في قدرها ومعناها وما ترمز له من تواد وتراحم وتلاحم وترابط وعطاء بين فئات ومحلات البلدة ، تتقبلها فرِحة مبتهجة وَسَطَ ضجيج وهرج ومرج مصدره التغني بأهازيج التزمزيم والدعوات الصالحات التي تعلو من أفواه العجائز النابعة من قلوبٍ صادقة صافية ، وأيضاً من لغط الكر والفر الذي يدور رحاه – بشكل تراجيدي في ظاهره ، هزلي في مضمونه – بين فتيان وشبان الإحياء المتجاورة في البلدة فكلاٍ يدافع عن حدود حيّه ويمنع الآخرين من الوصول اليه وتجاوزه فيحمِلون عليهم ( يهاجمونهم) بقوة وعنف فهذا يضرب وذاك يجري وآخر يصارع وهكذا دواليك ….. ، ويتم تبادل الأدوار بين الفئتين المتصارعتين بشكل ٍ لا يلاحظه من لا يعرف هذه العادة فيظنه صِراع حقيقي برغم أنه مظهر إحتفالي وطقس سنوي ضمن طقوس (التزمزيم) .

وفي خِتام هذه الإحتفالية التي يشارك بها الجميع كباراً وصِغاراً رجالاً ونساءً صِبية وفتية – فلكلٍ دوره المنوط به - ، يتم جمع وحصر الحصيلة (الممنوحة) ويتم تقسيمها فيأخذ الفقيه خمسها تقريباً لمساعدته على مواجهة متطلبات الحياة ولكونه متفرغ لتعليم الصِغار ، ويوزع الباقي على الذين يحتاجونه أكثر من غيرهم من اليتامى والمساكين .

وتتكون أهازيج (التزمزيم) من أبيات بسيطة سلسة تُنبئ عن فطرة قائليها وسماحة سجيّتهم ويقظة واعزهم الديني ، فيررد الفتيان :

نحنا زمزمنا وجينـا والصــــلاة على نبينا

زمزمت مكة وقالت مرحبــاً بالزائــــرينا

شكرا لك
هذه العادة جميلة جدا فشكرا لك
إحتفالية التزمزيم 78107