في ذكري يوم الحداد: مراكب الاحزان .. فيما وراء الشُطأن

في ذكري يوم الحداد: مراكب الاحزان .. فيما وراء الشُطأن

تحىِّ جماهير شعبنا المجاهد المناضل الذى دفع نصف عدد سكانه ثمناً لحريته . تحىِّ يوم الغد يوم الحزن والحداد على أجدادنا وأبائنا من المنفيين الليبيين الذين سِيِقوا في مثل هذا اليوم 26 التمور 1911م وما بعدهُ بالآلاف الى المنافي الكئيبة في الجزر الايطالية الموبؤة بالأمراض والمسكونة بالوحدة والآلام .. ففي مثل هذا اليوم تحفر التذكرات المريرة والتساؤلات المشروعة التى لم تُنسى يوماً حول مصير اولئك الاسلاف الذين جعلنا هذا اليوم للتأكيد على اننا لن ننسى حتى نعرف ، واذا عرفنا نعرف ماذا نفعل لان فعلنا معروف مع تاريخ شعبنا وشهدائنا الذين انتصفنا لهم باعتذار تاريخي وتعويض مادي ومعنوي وإعادة الاعتبار لتضحياتهم الذى رده لهم المجاهد ابن المجاهد أبومنيار .. ان يوم 26 التمور هو بالتأكيد ليس يوماً للنسيان ، ولكنه للتذكر، والتعبير عن الآلام والأحزان التى ألمت لمنفيينا .. يوم للتذكر ،والوقوف بكل جلال وخشوع وتأثر على مصير آلاف الليبيين سِيِقوا قسراً على ظهور مراكب الذل والمهانة الى المنافي القاتلة للكرامة الانسانية الجزر الايطالية الكئيبة .. هذا اليوم الذى يأن بالتذكرات المريرة التى تتقطع لها نياط القلوب والذى تناساه ورغم مرارته ظلاَّم الحكم الملكى المباد حتى جاء معمر المغوار ، حفيد أول الشهداء أبومنيار ، الذى رد الثأر وأرغم اعداء الأمس على تفهًّم حقيقة مشروعية ثأرنا وحَملَهم على الاعتذار والتعويض عن فترة الاستعمار بطريقة نضالية حضارية صارت اليوم مثلا في العلاقات الدولية .. وطفق وبالرغم من الاعتذار التاريخي من قبل ايطاليا ،يبحث عن مصير ابائه وأجداده وعن مكان قبورهم وشواهدهم واثارهم.
هذا اليوم الذى تحفر فيه ذكريات الذل والقهر والقتل والتعاسه والنفي وحكايات الابعاد والعذابات المرة داخل معسكرات الاعتقال السيئة السمعة والتهوية في جزر الجنوب الايطالي التي تسكنها الأمراض والأوبئة والحشرات الطائرة والزاحفة الناقلة للامراض ، والمنافية لكرامة الانسان ليعاني الليبيون فيها مرارة العسف والابعاد عن لأهل والتهجير والاعتقال الذين سِيِقوا بالآلاف للمشانق والسجود والمعتقلات داخل الوطن وخارجه هذه الذكريات الحزينة التي تحملنا على تذكر لواعج النفي والفرقة التى تعتمد في نفوس اولئك المنفيون الذين ظلوا يرددون حرقة الفراق في كل زفراتهم وآهاتهم الحزينة التى لايسعنا إلا نقف عندها في هذا اليوم بكل تأثر وتحسر وأمل في معرقة مصيرهم واثارهم وتاريخهم.
ذلك لان النفي في الحياة الانسانية هو فعل منافي للطبيعة البشرية وهو وبكل المقاييس والتفسيرات اللغوية والمادية عمل ماهية الحياة التى من اساسياتها الاستقرار النفسى والاجتماعي والارتباط بالمكان والزمان الذى يعيش فيه الانسان الذى يعتبر الاقامة في وطن له من أهم مقومات حياته .. والنفي وكما قلنا بكل تفسيراته ،هو الابعاد والإخراج وغيرها فنفى الرجل عن الأرض ، يعنى طرده ، والنفيُّ ايضاً هو التبرّأ، وهو ايضا الجمود ، وهو الإطارة كما ان النفوة هي .... من ...... كما هو الحال مع منفيينا الذين نفيوا الى البلاد الايطالية والنفي هو الوعيد، ونفاية الشئ هى بقيته وأردؤه ولذلك كان مدلول كلمة النفي يرتبط دائما وكما عرضنا عليكم بالمدلولات والمعاني والافعال السيئة للاشياء التى ترتبط بها.
فكان النفي وعبر التاريخ هو عقابا جسديا ومعنويا لأبطال التاريخ والمناضلين من أجل أوطانهم وهو وسيلة من الوسائل الفظيعة لابعاد القادرين على مقاومة المستعمر.. كما ان النفي الممنهج والمخطط له الذى قامت به ايطاليا هو أحد اسلحتها الشائنة ضد الليبيين الذين هبوا رغم قلة عددهم وعتادهم هبة رجل واحد ، في جموع مسلحة بابسط الاسلحة الحربية وأقوى الاسلحة الايمانية الاساس المتين والقوى لأي شعب مسلح، حتى تستطيع جيوش ايطاليا ان تحتل ليبيا التى وقفت عاجزة عن التقدم ولو لبضعة كيلومترات جنوب الساحل حتى فعلت ما فعلت بأبناء هذا الشعب الذى قتلته وشردته واعتقلته ونفته.
ذلك النفي الذى احتفظت جداريات ورسائل معتقلاته في جزر الاعتقال الايطالية الكئيبة المكفهَّرة التى تنطق باسوأ وأفظع المعاملات اللاأَنسانية التى حُشر الليبيون فيها بالعشرات في كل غرفة من غرفها، التى اغلقت أبوابها ونوافذها عن رائحة الوطن واخبار الأهل والأبناء والخلان والجيران .. فكان حال الليبيين الميئوسى منه في تلك المنافي كحال (طرفه بن العبد) الشاعر الذى يأس من العودة الى أهله بعد أن أقتيد الى المكان الذى مات فيه ،والذى قال فيه:
قد أقفر من أهله ملحوب
وهو اليوم لايبدى ولايعيد
نعم .. لقد أقفر الليبيون من بلادهم وأهلهم ، الى بلاد ليست بلادهم وأناس ليسوا أهلهم ، فعاشوا وماتوا وظل تاريخهم ومصيرهم ومصير أبنائهم اذا كان لهم ابناء مجهولاً حتى اليوم ، الذى جعله المجاهد ابن المجاهد ابومنيار منارة للاستذكار والإصرار على معرفة مصيرهم والذى قال فيه كلمته المشهورة التي بقت عهداً منه على الايفاء بواجب الوفاء نحو معرفة مصير أولئك المنفيين من الليبيين الذى ابعدوا الى ايطاليا.. تلك الكلمة التى لازالت تتردد وستبقى حتي يتحقق ماطالب به من ثأر للمجاهدين الذى قال : (إن الشعب الليبي يطالب ايطاليا بالتعويض .. ايطاليا التي احتلت ليبيا دون مبرر وهاجمت الشعب العربي الليبي وهو في امان وسلام ، وأشاعت بينه القتل والاعدامات على نطاق واسع ودمرت أراضيه وزرعت فيها حقول الألغام، ونكلت أيما تنكيل بالشعب الليبي وان يوم (26) التمور من عام 1911م وحتى اليوم يعتبر يوم حداد بالنسبة للشعب الليبي ، حيث تتوقف فيه كل المواصلات والمكالمات وتلبس ليبيا الحداد لان ، في هذا اليوم تم نقل آلاف الليبيين من الرجال والنساء والأطفال إلى ايطاليا ، وليبيا لاتعلم حتى اليوم أين مقابرهم ).
رحم الله أجدادنا المنفيين ، وجمعنا مع من بقي حياً منهم ومن أبنائهم ، حتي نعيد لهم اعتبارهم وتضحياتهم