بسم الله الرحمن الرحيم ..
الصلاة هذه الفريضة العظيمة التي تساهل فيها المتساهلون ، وغفل عنها الغافلون ، (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون )) ؟! ، وقد توعد الله الساهين في قوله تعالى : (( فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون )).
وتعالوا نتأمل حالنا مع الصلاة ، ونقيم أنفسنا ، فكل إنسان رقيب نفسه .
أيها الأحبة ، تبلغ عدد ركعات الفريضة في اليوم والليلة 17 ركعة ، وفي الشهر 510 ركعة ، وإذا علمنا أن في الأسبوع أربع جمع تقريبا ، والجمعة الواحدة ركعتان فهذا يعني أننا نخصم من العدد السابق ثمان ركعات ، ليكون مجموع ركعات الفريضة في الشهر 502 ركعة تقريبا .
ويبقى السؤال : كم ركعة تصليها جماعة في المسجد من أصل 502 ركعة في الشهر؟
هذا السؤال اطرحه بينك وبين نفسك ، وأجب عليه أيضا ، ثم قيم نفسك وانظر هل أنت محافظ على صلاة الجماعة أم لا ؟
وأنا هنا أعلن التحدي وأقول أتحدى أياً منكم أن ينجح في تحقيق الرقم 502 من 502 !!
فهذا الرقم خيالي بل هو معجزة ..
وأنا أولكم أعترف بأني لم أستطع تحقيقه ..
فمع الأسف لم يمر علي شهر كامل استطعت أن أحافظ فيه على أداء كل الصلوات كاملة في المسجد ..
فالأمر لا يخلو من ضياع ركعة أو اثنتين .. أو ربما صلاة كاملة في بعض الأحيان .. والله المستعان !!
ولذلك إخوتي الكرام لنجعل لأنفسنا هدفا ساميا ونعين بعضنا عليه ..
وهدفنا هو الرقم 502 !!
فإنك إن لم تصب الهدف فليس أقل من أن تحوم حوله ..
فمثلا لو ضاعت عليك من الـ 502 عشرون ركعة أو ثلاثون إلى مائة ركعة في الشهر ..
فهذا الرقم إلى حد ما جيد .. ويدل أنك محافظ على الصلاة ..
وتعالوا نقيم أنفسنا بالنسب المئوية :
لو بلغت الرقم 482 في عدد الركعات التي حافظت على أدائها في المسجد فهذا يعني أنك حافظت على الصلاة في ذلك الشهر بنسبة 96% تقريبا .. وهي نسبة جيدة بلا شك ..
ولو بلغت الرقم 472 أي أنك أضعت ثلاثين ركعة فقط من أصل 502 فإنك قد حافظت على الصلاة جماعةً بنسبة 94% .. وهي نسبة لا بأس بها أيضا ..
ولو بلغت الرقم 452 ( أي أنك أضعت خمسين ركعة ) فإنك قد حافظت على صلاتك في ذلك الشهر بنسبة 90% .. وهي أيضا نسبة معقولة ..
أما لو أضعت مائة ركعة من أصل 502 ركعة فأنت في الحدود الدنيا من المحافظة على صلاة الجماعة ، إذ تبلغ نسبتك في المحافظة على الصلاة 80 % فقط ..
وإن جئنا للواقع المرير فإن أكثر الناس لا يحافظون حتى على هذه النسبة المتدنية ، بل إنهم بعيدون عنها كل البعد ، فأكثر الناس ينام عن صلاة الفجر وخسر بذلك ركعتين ، ويستمر نومه إلى صلاة الظهر وربما يدركها على الركعة الأخيرة وهذا يعني أنه خسر خمس ركعات مع ركعتي الفجر ، وأيضا لا يدرك من العصر إلا ركعتين لأنه كان مشغولا بتناول طعام الغداء أو ( نوم القيلولة ) بالنسبة للموظفين فيكون مجموع ماخسره حتى الآن سبع ركعات ، أما المغرب فيضيعها كثير من الشباب بسبب مباراة لعبت في الحارة وحتى يتجهز للصلاة ويستحم يكلفه ذلك خسارة ركعتين من المغرب فوصل رصيد الركعات الفائتة تسع ركعات ، ولنتكلم بشيء من المبالغة ونقول أنه أدرك ثلاث ركعات من العشاء فيكون نزيفه اليومي من الركعات مع الجماعة يصل إلى عشر ركعات ..
وهذا يعني أنه خسر في الشهر 300 ركعة ، أي أنه لم يصل مع الجماعة إلا 202 ركعة فقط من أصل 502 ، وبالتالي يكون المعدل الشهري في محافظته على الصلاة 40 % فقط !
وقد يشترك في هذا المعدل كثير من الناس مع أنني أجد نفسي مبالغا في تقدير هذا المعدل !!، لأن الواقع من حولي يقول إن اأكثر الناس وخاصة الشباب لا يعرف صلاة الجماعة إلا في المغرب والعشاء ، وبعضهم في العشاء فقط ، وبعضهم لا يعرفها بالكلية !!
نعود إخوتي الكرام للرقم 502 ، وآه من هذا الرقم !!
هذا الرقم إذا حققناه فهذا يعني أننا نحافظ على الصلاة بنسبة 100 %
فيا له من فوز .. وياله من نجاح .. وياله من فلاح ...
آه يا إخوتي كم أطمح في قهر هذا الرقم وترويضه !!
أتساءل .. هل فعلا هذا الرقم ضرب من الخيال والمعجزة كما ذكرت سابقا ؟
فإن لم يكن معجزة فلماذا لا نستطيع تحقيقه ؟
تخيل أن تستمر على صلاة الجماعة دون أن تضيع عليك أي ركعة ؟؟
هذا والله حلم عظيم أسعى إليه ...
ويمنع الإنسان عنه عوارض قوية جدا يصعب عليه قهرها في بعض الأحيان ..
فمثلا .. قد تعلق أحيانا في زحام ويؤذن وتقوم الصلاة وأنت ما زلت عالقا في نفس الشارع من شدة الزحام !
قد تتأخر في الاستيقاظ لصلاة الفجر أحيانا بعد أن اجتهدت في أن تقوم مبكرا لكنك لم تفلح !
قد تخرج أحيانا للصلاة وتشعر بحاجتك لدخول الخلاء - أجلكم الله - فتتأخر وتضيع عليك ركعة أو ركعتان ..
ومثل هذه العوارض تحصل للإنسان ، وتحرمه فرصة المدوامة على الصلاة دون تفويت ..
ولذا أقول بأن الرقم 502 رقم خيالي ..!!
لكن إخوتي علينا أن نجتهد .. فقد يمن الله علينا وننجح !
وكما ذكرت لكم حتى لو لم نصب الرقم فسنكون على مقربة منه ، وحتى لو وصلنا للرقم 490 أو 480 فذلك خير عظيم !
لو افترضنا أننا حققنا الرقم 502 أو رقما قريبا منه ، فماذا نستفيد ؟
هل تكون الفائدة هي مجرد الشعور بأننا حطمنا رقما قياسيا وكنا أفضل من غيرنا ؟
لا ، ففي تحقيق هذا الرقم أو الاقتراب منه فوائد وثمار عظيمة ، أذكر منها :
1- إيجاد الدافعية ، فأنت لو تحسب عدد الركعات الفائتة في الشهر سيتولد لك دافع بأن تقلص عدد الركعات الفائتة في الشهر المقبل ، وتحسن حالك مع الصلاة أكثر ، وتنظر ما الذي أخرك عن تلك الركعات فتحاول قدر المستطاع أن تجتنبه .
2- الرجل المحافظ على الصلاة في المسجد يلحظ أن سلوكه أخذ يتهذب ، وبالتالي يزهد في كثير من المنكرات ، كما قال تعالى : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) .
3- حرصك على عدم تفويت الركعات يجعلك في حرص على أن تنتظر الصلاة المقبلة لتثبت لنفسك أنك قادر على عدم التفويت ، مما يعني أن يتعلق قلبك بالمساجد وانتظار الصلوات، وهنا أبشر بهذا الحديث : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ : إِمامٌ عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه ، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " . رواه البخاري (660) ومسلم (1031) .
4- حرصك على عدم ضياع أي ركعة يجعلك يبكر في الذهاب للمسجد ، وهنا تتجنب كثيرا من العوارض التي قد تؤخرك عن الصلاة كأن تنزل فتجد أن سيارتك قد أقفل عليها أحدهم ، فيكون لك متسع من الوقت لتتصرف .
5- تبكيرك للصلاة يجعلك تغتنم الوقت بين الأذان والإقامة في صلاة السنة الراتبة ، وهي ركعتان قبل الفجر ، وأربعة قبل الظهر واثنتان بعدها ، واثنتان بعد المغرب ، ومثل ذلك بعد العشاء ، وهنا تفوز بهذا الفضل الذي جاء في حديث أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ) رواه مسلم (728) .
6- ستتاح لك فرصة قراءة القرآن الكريم ريثما تقام الصلاة ، وبذلك تتخلص من مشكلة كثير من الناس في هجرهم للقرآن الكريم والعياذ بالله ، (( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )) .
7- تبكيرك للصلاة يجعلك تحظى بشرف الصلاة في الصف الأول، وفي ذلك فضل عظيم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) أخرجه البخاري ومسلم.
8- صلاة الجماعة فرصة عظيمة لرفع الدرجات والحط من الخطايا والسيئات ، وأنت بحفاظك على الجماعة تدفع عن نفسك صفة النفاق ، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) رواه مسلم ( 251 ) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) رواه الإمام أحمد المسند 2/424، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) .
9- تكون ممن يتناوله هذا الحديث : عنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه أبو داود (561) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
10 - لو داومت على الصلاة أربعين يوما من غير أن تفوتك تكبيرة الإحرام تحصل لك براءتان ، براءة من النفاق ، وأخرى من النار ، جاء في سنن الترمذي بلفظ : ( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق ) الترمذي برقم 241 وضعفه الترمذي ، وحسنه الألباني ..
أسأل الله بفضله وكرمه وواسع رحمته ألا يحرمنا هذا الأجر ، راجع تخريج الحديث السابق على هذا الرابط :
http://www.islamqa.com/ar/ref/3460511- أعظم فضل في المحافظة على الصلوات هو دخول الجنة ، ففي الحديث الصحيح: (من صلّى البردين دخل الجنة) رواه البخاري الفتح 2/52. والبردان الفجر والعصر.
وفي الختام .. صلاة الجماعة فضلها عظيم .. وهذا غيض من فيض ما جاء في فضلها ..
وهذه دعوة لكل مسلم أن يوطن نفسه على صلاة المسجد ..
وأرجو أن يأتي من يبشرني أنه قهر ذاك الرقم العنيد ( 502 )
ونصيحة لكل زوجة بما أننا في منتدى للمتزوجين ...
أعيني زوجك وساعديه على صلاة الجماعة ..
ونصيحة لكل أم أعيني أبناءك على صلاة الجماعة ..
ونصيحة لكل أخت أعيني إخوتك على صلاة الجماعة ..
ونصيحة لكل مسلم بالغ عاقل ذكر حر ..
أعن نفسك على صلاة الجماعة ..