سلاح جاك
جاك! أظن لا أقدر ان أدعك تذهب !
هذا ما قالته أم أرملة لابنها الأكبر الذي كان عدتها وسندها بعد وفاة أبيه . والآن قد دعي للخدمة في السفينة " كورنيليا " المزمعة ان تسافر إلي الهند الغربية بعد ساعات قليلة .
أما هو فقال لها : ينبغي ان تذكري ما قلته لي مرات كثيرة وخصوصاً أمس مساءً و هو أني في البحر كما في البر لا خوف علي اذا كنت أسأل الله ان يحفظني . وهكذا قال لي معلمي ايضاً . ولا يمكنني ان أظل بطالاً في البيت . بل علي ان اشتغل لأعولك مع اخوتي الصغار . فلا تخافي يا أماه .
اني أعتنى بنفسي ، وان ساعدني الحظ والتوفيق أجد في الحال مقداراً من الدراهم وارسله اليك .
وكان عمره ثلاث عشرة سنة , لكنه قال هذا الكلام بلهجة وهيئة رجل كبير . فلم
يسع امه حينئذ الا ان تفتخر به وتقبله شاكرة الله علي إعطائه إياها ابناً كهذا .
ثم أعدت له ثيابه في الصندوق . و وضع انجيله الجميل المهدي له من معلمه فيه ايضاً . وبعدما صلت أمه طالبة من الله حفظه من الخطيئة والخطر انطلق ذاهباً إلي السفينة .
وقد كان السفر اميناً ساراً . و حصل جاك علي رضي الضباط ومحبة النوتية . وبلغت السفينة الهند الغربية وأفرغت شحنها ورجعت بما وسقته من هناك و إذا بنوء شديد يحدث في البحر .
وظلت السفينة اياماً تحمل مسلمة لرحمة الأمواج وقل الرجاء بسلامتها , وفي اليوم الخامس تعرقل أحد حبال الصاري المقدم ومست الحاجة إلي واحد يصعد ويحله . ولكن من ؟ بالجهد يقدر السنجاب علي ذلك في مثل هذه العاصفة .
فنظر القبطان إلى ذلك الصاري المائل بالحبل المعرقل وقال : لابد من صعود واحد و إلا فكلنا نهلك . يا جاك ! فرفع الفتي نظره وأعاد القبطان قوله له .فتوقف جاك قليلاً ثم ذهب صامتاً إلى مقدم السفينة . وبعد دقيقتين عاد واضعاً شيئاً في جيبه . وعلي الفور أخذ بسلم الصاري وصعد .
وحينئذ جاء قسيس السفينة إلى جانب القبطان ونظر الفتي صاعداً فقال للقبطان : لماذا أصعدت هذا الولد ؟ لا يمكنه ان ينزل حياً . فأجابه : أصعدته لينقذ حياته . بعض الأوقات نفقد رجالاً في مثل هذا العمل . لكننا لم نفقد قط ولداً . انظر كيف يتمسك كالسنجاب ! وعما قليل ينزل سالماً .
فلم يستطع القسيس ان يجيبه شيئاً ووقف منقطع النفس من شدة خوفه علي جاك الذي كان يقفز من حبل إلى حبل كالسنجاب . ثم أغمض القس عينيه صارخاً : آه سقط ! هلك ! لكن جاك لم يسقط بل الصاري المتمايل أخفاه قليلاً عن النظر. وما لبث ان عاد فظهر و قد بلغ الحبل المعرقل . ومسح القسيس دموعه شاكراً الله علي ذلك .
وبعد ربع ساعة حل جاك عرقله الحبل واستقام امر الصاري . وعاد جاك إلى السلم ونزل إلى ظهر السفينة سالماً .
ولما سكنت العاصفة طلب القسيس ذلك الفتي واستوضحه أشياء كثيرة أُشكلت عليه فقال له أول كل شيء : لقد اقدمت علي عمل عظيم ولولا رحمة الله لهلكت.
فقل لي لماذا توقفت قليلاً قبل الصعود . هل خفت ؟
فأجابه : كلا يا سيدي .
فسأله : إذا ماذا ؟
فأجابه: ذهبت لأصلي . ظننت اني ربما لا انزل حياً . فاستودعت الله نفسي قبل كل شيء .
فسأله القس متعجباً : وأين تعلمت ان تصلي ؟
فأجابه : امي ومعلمي علماني يا سيدي أن اصلي إلي اله ليحفظني .
فقال القس : حسناً فعلت يا بني إذ ليس أفضل من هذه الواسطة عند الخطر والآن قل لي ما هذا الذي اعتنيت بوضعه في عبك ؟
فأجابه متورداً : هو إنجيلي يا سيدي أعطاني إياه معلمي حين سافرت فقلت إني إذا لم انزل سالماً أحب أن أموت وكلمة الله قريبة من قلبي .
فنعما هذا الفتي الذي تقلد سلاحه قبلما ذهب إلي القتال